كَانَ ياما كَانَ فِي قَدِيمِ الزَّمَانِ, مُلْكٌ لَدَيْهُ ثَلَاثُ
فَتَيَاتٍ, أَحَبَّ يَوْمًا أَنْ يَخْتَبِرَ حُبُّ بُنَاتِهِ لَهُ, فَجَاءَ
بِاِبْنَتِهِ الكُبْرَى, وَقَالَ لَهَا: "بِنِيَّتِي, حَبِيبَتُي, كَمْ
مِقْدَارٌ حَبَّكَ لِي?
", فَأَجَابَتْ الفَتَاةُ فَوْرًا مِنْ دُونِِ
تَفْكِيرٍ: "أُحِبُّكَ يَا أَبَى كَحُبِّ السَّمَكِ لِ"لبَحْرِ, فأعُجب
الأَبُ بِجَوَابِ اِبْنَتِهِ, وَقَالَ فِي نَفْسِهُ: "كَمْ هِيَ ذَكِيَّةٌ
اِبْنَتُي, فِعْلًا السَّمَكُ لَا يَسْتَطِيعُ العَيْشَ إِلَّا دَاخِلِ
البَحْرِ, وَيَبْدُو أَنَّ اِبْنَتَي هَذِهِ تُحِبُّنِي كَثِيرًا, أَكْثَرَ
مِمَّا تَوَقَّعَتْ", فَقَرَّرَ إِعْطَاءَهَا قِصَرًا كَبِيرًا
وَمُجَوْهَرَاتٍ. وَبَعْدَ أَنْ أُنْتَهَى مِنْ مُحَاوَرَةِ اِبْنَتِهِ
الكُبْرَى, نَادِي اِبْنَتِهِ الثَّانِيَةِ, وَسَأُلْهَا السُّؤَالَ
نَفْسُهُ, فَقَالَتْ لَهُ: "أُحِبُّكَ يَا أَبِي بِمِقْدَارٍ مَا يُحِبُّ
الطَّيْرَ السَّمَاءُ", فَأَعْجَبَ المُلْكُ بِإِجَابَةِ اِبْنَتِهِ
أَيْضًا, وَأَعْطَاهَا قَصْرًا مُمَاثِلًا لِقَصْرِ أُخْتِهَا,
بِالإِضَافَةِ إِلَى بَعْضِ المُجَوْهَرَاتِ. وَبَعْدَهَا نَادِي
اِبْنَتِهِ الصَّغِيرَةِ, فَهُوَ يُحِبُّهَا كَثِيرًا, لِأَنَّهَا أَصْغَرُ
بَنَاتِهِ, وَسَأُلْهَا: "كَمْ تُحِبِّينَنِي يَا اِبْنَتُي?",
فَأَجَابَتْهُ: "بِمِقْدَارِ حُبِّ الزَّعْتَرِ لِ"لشَّطَّةِ, فَغَضِبَ
المُلْكُ كَثِيرًا مِنْ اِبْنَتِهِ, وَضَرَبَهَا عَلَى وَجْهِهَا, ثُمَّ
أَمْسَكَهَا مِنْ شَعْرِهَا, وَرَمَاهَا خَارِجَ القَصْرِ, دُونَ أَنْ
يَسْمَعَ مِنْهَا أَيُّ كَلِمَةٍ. خَرَجَتْ الفَتَاةُ وَهِيَ تَبْكِي,
وَجَالَتْ فِي الطُّرُقِ والشّوارع, وَاِسْمَعْهَا المَارُّونَ كَلَامًا
سَيِّئًا, وَنَظَرُوا إِلَيْهَا بِاِسْتِغْرَابٍ, وَلَكِنَّ مَرَّ
بِجَانِبِهَا مُزَارِعٌ بَسِيطٌ, فَأَحِبَّهَا وَحَاوَلَ أَنْ يَلْفَتَ
نَظَرُهَا, فأعجُبت بِهِ وَتَزَوَّجْتَهُ, وَعَاشَا مَعًا حَيَاةً
سَعِيدَةً دَاخِلَ كُوخٍ فِي وَسَطِ الغَابَةِ
وَبَعْدَ مُرُورِ أَيَّامٍ, خَرَجَ
المُلْكُ لِيَصِيدَ بَعْضَ الحَيَوَانَاتِ دَاخِلَ الغَابَةِ هُوَ وَبَعْضُ
حُرَّاسِهِ, فَجَالَ فِيهَا كَثِيرًا وَهُوَ يَبْحَثُ عَنْ
الحَيْوَانَاتِ, فَضَاعَ عَنْ حُرَّاسِهِ دُونَ أَنْ يُدْرِكَ ذَلِكَ,
وَبَحَثَ عَنْهِمْ فَلَمْ يَجِدْهُمْ. اِسْتَمَرَّ المُلْكُ فِي السَّيْرِ
دَاخِلَ الغَابَةِ إِلَى أَنَّ وَصَلَ لِكُوخٍ صَغِيرٍ, فَقَرَّرَ أَنْ
يَطْرُقَ البَابَ عَلَى أَهْلِهِ, عَلِّهُمْ يُطْعِمُونَهُ شَيْئًا,
فَفَتَحَ صَاحِبُ البَيْتِ البَابَ لَهُ دُونَ أَنْ يَعْرِفَ مَنْ هُوَ,
فَأَخْبَرَهُ قِصَّتُهِ حَتَّى يَطْمَئِنَّ قَلْبُهُ وَيَدْخُلُهُ إِلَى
الكُوخِ. وَأَثْنَاءَ حَدِيثِهِ سَمِعَتْ زَوْجَةُ الرَّجُلِ صَوَّتَ
المَلِكُ, فَعَرَفَتْ أَنَّهُ صَوْتُ وَالِدِهَا الَّذِي طَرَدَهَا مِنْ
القَصْرِ! طَلَبَ الرَّجُلُ مِنْ زَوَّجْتُهُ أَنْ تُعِدَّ الطَّعَامَ
لِضَيْفِهَا, وَأَقْتَرِحُ عَلَيْهَا أَنْ تُذَبِّحَ دَجَاجَتَيْنِ
كَبِيرَتَيْنِ, فَنَفَّذَتْ المَرْأَةُ طَلَبَ زَوْجِهَا, وَلَكِنَّ
خَطَرَتْ فِي بِأَلَهَّا فِكْرَةٌ! فَنَادَتْ زَوْجَهَا عَلَى الفَوْرِ,
وَقَالَتْ لَهُ: "خُذْ بَعْضُ الزَّعْتَرِ والزّيت, وَقَدِّمْهُمَا
لِلضَّيْفِ لِيُسْكِتَ جُوعَهُ, حَتَّى اِنْتَهَى مِنْ تَحْضِيرِ
الطَّعَامِ", فَوَافَقَهَا الزَّوْجَ فِي رَأْيِهَا, وَأَخَذَ صِّينِيَّةً
تَحْتَوِي عَلَى الزَّعْتَرِ والزّيت, وَقَدَّمَهَا لِلمَلِكِ, وَقَالَ
لَهُ: "تَفَضَّلْ يَا عَمِّي, أَسْكَتَ جُوعَكَ حَتَّى يُجَهِّزُ
الطَّعَامُ".
بَدَأَ المُلْكُ بِالأَكْلِ فَهُوَ يَشْعُرُ بِجُوعٍ شَدِيدٍ, وَيُحِبُّ
أَنْ يَأْكُلَ الزَّعْتَرَ, وَلَمَّا وَضْعُ اللُّقْمَةِ الأُولَى فِي
فَمِهِ أُصِيبَ بِمَغْصٍ شَدِيدٍ, فَصَاحَ بالرّجل: "مَا هَذَا,
تَأْكُلُونَ الزَّعْتَرَ مِنْ غَيْرِ شَطَّةٍ?!". حِينُهَا بَكَى المَلِكَ
بِغَزَارَةٍ, وَتَذَكَّرَ اِبْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ, فَتَعَجَّبَ الرَّجُلُ
مِنْ رَدَّةِ فِعْلِ المُلْكِ, وَقَالَ لَهُ: "سَتَنْتَهِي زَوْجَتُي مِنْ
إِعْدَادِ الدَّجَاجِ بَعْدَ لَحَظَاتٍ, فَلَا تَقْلَقُ". وَبَعْدَ هَذَا
المَوْقِفُ أَخْبَرَ المَلِكُ الرَّجُلُ وَهُوَ يَبْكِي قِصَّةَ
اِبْنَتِهِ, وَكَيْفَ أَنَّهُ قَامَ بِطَرْدِهَا مِنْ قَصْرِهِ, وَحِينَ
اِنْتَهَى مِنْ الطَّعَامِ تُفَاجَأُ بِاِبْنَتِهِ تَقِفُ أَمَامَهُ
وَتَقُولُ لَهُ: "حُبَيْبِيٌّ يَا أَبِي, أَعَرَفْتِ كَمْ كُنْتِ
أَحَبُّكِ!", فَنَدِمَ المُلْكُ عَلَى تَصَرُّفُهِ السَّيِّئُ,
وَاِعْتَذَرَ مِنْ اِبْنَتِهِ, وَجَلَسَا مَعًا لِيَأْكُلَا الدَّجَاجَ
الَّذِي قَامَتْ بِتَحْضِيرِهِ, وَقَدَّمَ لَهَا قَصْرَيْنِ بَدَلًا مِنْ
وَاحِدٍ, وَاِلْبَسْهَا المُجَوْهَرَاتُ الكَثِيرَةَ, وَعَاشَا بِسَعَادَةٍ
غَامِرَةً
.
0 تعليقات على " قصة صغيرة مضحكة ذات هدف إنسانى "